الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
.[فرع: يخرج القيمة أو العرض] إذا كان معه مائة درهمٍ، فاشترى بها مائتي قفيزٍ حنطة للتجارة، فحال الحول، وهي تساوي مائتي درهمٍ.. وجبت عليه الزكاة، فإن قلنا: يجب إخراج القيمة..أخرج خمسة دراهم. وإن قلنا: يجب إخراج العرض.. أخرج خمسة أقفزة. وإن قلنا: إنه مخيرٌ بينهما.. خير بينهما. فإن أخرج أربعة أقفزة قيمتها خمسة دراهم، فإن قلنا: يجب إخراج القيمة.. لم تجزه الأربعة الأقفزة؛ لأنها من غير جنس ما وجب عليه، فيجب عليه إخراج خمسة دراهم، ولا يرجع بالأقفزة؛ لأن الظاهر أنه تطوع بها. وإن قلنا: يجب عليه إخراج العرض.. لزمه إخراج قفيزٍ خامسٍ، ولا شيء له لزيادة قيمة الأربعة؛ لأنه متطوعٌ بذلك. وإن قلنا: إنه مخيرٌ.. خير بينهما. فإن تأخر إخراج الزكاة، فنقصت قيمة الطعام.. نظرت: فإن كان النقصان لسعر السوق بأن رخص الطعام، فصارت قيمته مائة درهمٍ، فإن كان قبل إمكان الأداء.. بنى على إمكان الأداء. فإن قلنا: إن إمكان الأداء من شرائط الوجوب.. فلا زكاة عليه. وإن قلنا: إنه من شرائط الضمان.. لزمه إخراج زكاة ما بقي. وإن قلنا: يلزمه إخراج القيمة.. أخرج درهمين ونصفًا. وإن قلنا: يلزمه إخراج العرض.. أخرج خمسة أقفزة، قيمتها درهمان ونصفٌ. وإن قلنا: إنه مخيرٌ.. خير بينهما. وإن كان النقصان بعد إمكان الأداء: فإن قلنا: يجب عليه إخراج القيمة.. لزمه خمسة دراهم؛ لأنه ضامنٌ للنقصان. وإن قلنا: يجب عليه إخراج العوض.. أخرج خمسة أقفزة منها، ولا يلزمه ضمان نقصان القيمة؛ لأن نقصان السوق لا يلزمه مع بقاء العين. وإن قلنا: إنه مخيرٌ.. خير بينهما. وإن كان نقصان قيمة الطعام، لتغير صفة فيه، فإن كان قبل إمكان الأداء من غير فعله، ولا تفريطه. فإن قلنا: إن إمكان الأداء من شرائط الوجوب.. لم يجب عليه زكاة. وإن قلنا: إنه من شرائط الضمان.. وجبت عليه الزكاة لما بقي. فإن قلنا: يلزمه إخراج القيمة.. أخرج درهمين ونصفًا. وإن قلنا: يلزمه إخراج العرض.. لزمه أن يخرج خمسة أقفزة منها. وإن قلنا: إنه مخيرٌ.. خير بينهما. فإن كان ذلك بعد إمكان الأداء بغير فعله، أو كان قبله بفعله: فإن قلنا: يجب إخراج القيمة.. أخرج خمسة دراهم. وإن قلنا: يلزمه أخراج العرض.. لزمه أن يخرج خمسة أقفزة منها، وما نقص من قيمتها، وهو درهمان ونصفٌ. وإن قلنا: إنه مخيرٌ.. خير بينهما. وإن زادت قيمة الطعام بعد الحول، وقبل إخراج الزكاة، فبلغت قيمته أربعمائة درهمٍ، فإن كان قبل إمكان الأداء: فإن قلنا: إن إمكان الأداء من شرائط الوجوب.. وجبت عليه زكاة أربعمائة للحول الأول. فإن قلنا: يجب عليه إخراج القيمة.. أخرج عشرة دراهم. وإن قلنا: يلزمه إخراج العرض.. أخرج خمسة أقفزة قيمتها عشرة دراهم. وإن قلنا: إنه مخيرٌ.. خير بينهما. وإن قلنا: إن إمكان الأداء من شرائط الضمان، أو كانت هذه الزيادة حدثت بعد إمكان الأداء.. فلا يلزمه زكاة الزيادة للحول الأول. وإن قلنا: يلزمه إخراج القيمة.. أخرج خمسة دراهم. وإن قلنا: يلزمه إخراج العرض.. أخرج خمسة أقفزة قيمتها عشرة دراهم؛ لأن هذه الزيادة في ماله وفي مال المساكين. وحكى القاضي أبو الطيب وجهًا آخر: أنه يجب عليه خمسة أقفزة، قيمتها خمسة دراهم؛ لأن هذه الزيادة حدثت بعد وجوب الزكاة، وهي محتسبة في الحول الثاني. قال ابن الصباغ: وهذا لا وجه له؛ لأن على هذا القول المستحق خمسة أقفزة منها، أو مثلها من غيرها بصفتها. وإن قلنا: إنه مخيرٌ.. خير بينهما. فإن تلفت هذه الحنطة بعد إمكان الأداء، ثم زادت قيمتها بعد تلفها، فإن قلنا: يجب إخراج القيمة.. لزمه خمسة دراهم. وإن قلنا: يجب إخراج العرض.. لزمه خمسة أقفزة من مثلها بقيمتها الآن. وإن قلنا: إنه مخيرٌ بينهما.. خير بينهما. فإن كان عبدًا للتجارة، فأصابه عورٌ، فنقصت قيمته.. فهو كالطعام إذا تغيرت صفته. وإن كان بعينه بياضٌ، فزال، فزادت قيمته.. فهو كالطعام إذا زادت قيمته. .[فرع: الحول في مال التجارة] إذا حال الحول على مال التجارة، وقيمته نصابٌ، فباعه رب المال قبل إخراج الزكاة.. فاختلف أصحابنا فيه:فمنهم من قال: الحكم فيه كحكم من باع المال الذي تجب الزكاة في عينه بعد وجوب الزكاة فيه، وقبل إخراجها. وقد مضى الكلام فيه. ومنهم من قال: يصح البيع هاهنا، قولًا واحدًا. والفرق بينهما: أن الزكاة هاهنا، لا تجب في العين، وإنما تجب في القيمة، والقيمة موجودة في العرض وفي ثمنه، وما تجب الزكاة في عينه يزول بزوال العين بالبيع، فافترقا. .[مسألة: يدفع ربح المضاربة] إذا دفع رجلٌ إلى رجلٍ ألف درهمٍ قراضًا، على أن الربح بينهما نصفان، واشترى العامل بها سلعة، فحال الحول وقد صار المال ألفي درهمٍ.. فمتى يملك العامل حصته من الربح؟ فيه قولان:أحدهما: لا يملكه إلا بالمقاسمة. والثاني: يملكه بالظهور.. ويأتي توجيههما. وأما الكلام في الزكاة: فلا يخلو: إما أن يكونا مسلمين أو كافرين، أو أحدهما مسلمًا والآخر كافرًا. فإن كانا مسلمين، فإن قلنا: إن العامل لا يملك حصته من الربح إلا بالمقاسمة.. فزكاة الجميع على رب المال، فإن كانت السلعة باقية إلى حلول الحول.. فإنها تقوم، ويزكى الجميع لحول الأصل، وإن بيعت في أثناء الحول، ونض الربح.. فهل يضم الربح إلى رأس المال في حوله، أو يستأنف له الحول؟ على ما مضى من الطرق الثلاث. فإن أخرج رب المال الزكاة من غير مال القراض.. جاز، وإن أراد إخراجها من مال القراض.. جاز؛ لأنه ملكه، ومن أين يحتسب؟ فيه ثلاثة أوجهٍ: أحدها: يحتسب من الربح. قال في "التعليق": وهو الأصح، كمؤن المال. والثاني: يحتسب من رأس المال؛ لأن الزكاة دينٌ عليه، وقد ثبت: أن رب المال لو كان عليه دينٌ فقضاه من مال القراض.. لاحتسب من رأس المال، فكذلك هاهنا. فعلى هذا: إذا أخرج منه خمسين درهمًا.. انفسخ القراض فيها، فيبقى رأس المال تسعمائة وخمسين درهمًا. والثالث: يحتسب من كل واحدٍ منهما بحصته؛ لأن الزكاة فيهما. فعلى هذا: يبقى رأس المال تسعمائة وخمسة وسبعين درهمًا. وحكى صاحب "الإبانة" [ق \ 147] وجهًا آخر: إن قلنا: إن الزكاة تتعلق بالعين. احتسب من الربح، كمؤن المال. وإن قلنا: تتعلق بالذمة.. احتسب من رأس المال، كما لو قضى منه دينًا عليه في ذمته. وإن قلنا: إن العامل يملك حصته من الربح قبل المقاسمة.. فإن على رب المال زكاة ألف وخمسمائة، فإن بقيت السلعة إلى آخر الحول.. زكى نصيبه من الربح لحول الأصل، وإن نض الربح قبل الحول.. فهل يضم إلى حول الأصل؟ على الطرق الثلاثة. وإذا أخرج الزكاة من المال.. فمن أين يحتسب؟ على ما مضى من الأوجه. وأما العامل: فلا يضم حول نصيبه إلى حول الأصل؛ لأنه لا يضم مال الرجل إلى مال غيره في الحول، ومن أين ابتداء حوله؟ فيه ثلاثة أوجهٍ، حكاها الشيخ أبو حامدٍ: أحدها: من يوم ظهر الربح ولاح. قال: وهو الأصح؛ لأنه يملك حصته من الربح من حين يظهر. والثاني: ابتداء حوله من حين يقوم المال على رب المال؛ لإخراج الزكاة، لأنه لا يتحقق الربح إلا بذلك. والثالث: ابتداء حوله من حين المقاسمة؛ لأنه لا يستقر ملكه عليه إلا بذلك. فإن قلنا: إن ابتداء حوله من حين الظهور، أو من حين التقويم، فإن كان نصيبه يبلغ نصابًا، أو معه من جنسه ما يبلغ به نصابًا، وهو جارٍ في حوله.. فعليه الزكاة. وإن لم يبلغ نصيبه نصابًا، وليس معه ما يتم به نصابًا.. فهل يضم نصيبه إلى نصيب رب المال في النصاب؟ إن قلنا: إن الخلطة تصح في غير المواشي.. ضم نصيبه إلى نصيب صاحب رأس المال. وإن قلنا: لا تصح المخالطة في غير المواشي.. فلا زكاة عليه. وإن قلنا: إن ابتداء حوله من حين المقاسمة، فإن كان نصيبه يبلغ نصابًا، أو معه ما يبلغ به نصابًا.. زكاه. وإن لم يبلغ نصابا.. فلا يتأتى هاهنا ضمه إلى نصيب رب المال؛ لأنهما لما اقتسما.. زالت الخلطة. وهل يجب على العامل إخراج زكاة حصته قبل المقاسمة؟ فإن قلنا: إن ابتداء حوله من حين المقاسمة.. لم يجب عليه؛ لأن ماله لم يجر في الحول. وإن قلنا: إن ابتداء حوله من حين ظهور الربح، أو من حين التقويم.. فقال البغداديون من أصحابنا: لا يجب عليه الإخراج؛ لأن هذا المال قد لا يحصل له، فأحسن أحواله: أن يكون كالمال الغائب الذي ترجى سلامته، ويخاف تلفه. وحكى صاحب "الإبانة" [ق \ 148] فيه ثلاث طرقٍ: أحدها: لا يجب عليه، وهو قول القفال؛ لأن ملكه غير مستقرٍّ على الربح، فهو كمال المكاتب. والثاني: أنها على قولين، كالمال المغصوب؛ لأنه لا يقدر على التصرف بهذا المال كيف شاء، فهو كالمال المغصوب. والثالث - وهو قول صاحب " التقريب " -: أن عليه إخراج الزكاة في الحال؛ لأن يده تصل إلى هذا المال، ويملك المقاسمة فيه متى شاء، فهو كدينٍ على مليءٍ مقر، بخلاف المغصوب. فإذا قلنا: لا يجب عليه الإخراج، وأراد أن يخرج الزكاة من غير مال القراض.. جاز. وإن أراد إخراجها من عين مال القراض.. فهل يجوز؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يجوز، ولرب المال منعه من ذلك؛ لأن الربح وقاية لرأس المال. والثاني: يجوز، وهو المنصوص؛ لأن الزكاة وجبت فيه. وإن كانا كافرين.. فلا زكاة عليهما. وإن كان أحدهما مسلمًا، والآخر كافرًا.. نظرت: فإن كان رب المال مسلمًا، والعامل كافرًا، فإن قلنا: إن زكاة الجميع على رب المال.. وجب عليه إخراج زكاة الجميع على ما مضى. وإن قلنا: إنه لا تجب عليه زكاة نصيب العامل.. فعلى رب المال إخراج زكاة رأس المال، وحصته من الربح، على ما مضى، ولا تجب زكاة نصيب العامل على أحدهما. وإن كان رب المال كافرًا، والعامل مسلمًا، فإن قلنا: إن العامل لا يملك حصته من الربح إلا بالمقاسمة.. لم يجب عليه في هذا المال زكاة قبل المقاسمة. وإن قلنا: يملك العامل حصته بالظهور.. فلا زكاة على المالك في رأس المال وحصته من الربح، وتجب على العامل زكاة حصته. وفي وقت ابتداء حوله وجهان: أحدهما: من يوم الظهور. والثاني: من وقت المقاسمة، ويسقط الوجه الثالث؛ لأن المال لا يقوم هاهنا على رب المال لإخراج الزكاة. فإن أراد العامل أن يخرج زكاة نصيبه من الربح - من المال - قبل المقاسمة.. قال الشيخ أبو حامدٍ: لم يجز، وجهًا واحدًا؛ لأن رب المال يقول: أنا كافرٌ، وأنت تعرف ديني، ودخلت على أن لا تؤخذ الزكاة من مال. والله أعلم، وبالله التوفيق. .[باب زكاة المعدن والركاز] سمي المعدن معدنًا؛ لأنه مقام الجواهر، يقال: عدن بالمكان: إذا أقام به، ولهذا سميت {جَنَّاتِ عَدْنٍ} [التوبة: 72]؛ لأنها دار الإقامة.والأصل في وجوب الزكاة فيه: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267]. والمعدن: مما أخرج من الأرض. وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية جلسيها وغوريها». وأخذ منه الزكاة. سميت: (قبلية)، نسبة إلى ناحية من نواحي ساحل البحر بينها وبين المدينة مسيرة خمسة أيامٍ. وقوله: (جلسيها): يعني: نجدتها، ونجدٌ يقال له: جلسٌ. وقوله: (وغوريها) نسبة إلى الغور. وهو إجماعٌ لا خلاف في وجوب الزكاة في المعدن. .[مسألة: زكاة المعدن] فإن استخرج الحر المسلم نصابًا من الذهب أو الفضة من معدنٍ في مواتٍ أو في أرض يملكها.. وجبت عليه الزكاة؛ لما ذكرناه، وإن استخرج ذلك مكاتبٌ أو ذمي.. لم يجب عليه شيءٌ.وقال أبو حنيفة: (يجب على المكاتب). دليلنا: أن ذلك زكاة، فلا تؤخذ من المكاتب والذمي، كزكاة السائمة. وإن وجده في أرضٍ مملوكة لغيره.. فهو ملكٌ لصاحب الأرض تجب عليه زكاته إذا قبضه. وإن اشترى أرضًا، فظهر فيها معدنٌ.. كان مملوكًا له، فإن شاء.. عمله، وإن شاء.. تركه، ولا يتعرض له في ذلك أحدٌ. وإن وجد في المعدن غير الذهب والفضة، كالحديد والرصاص وغيرهما.. لم تجب فيه الزكاة، وبه قال مالكٌ رحمة الله عليه. وقال أبو حنيفة: (تجب في الذهب والفضة، وفي كل ما ينطبع إذا طبع، مثل: الحديد، والرصاص، والصفر، ولا تجب فيما لا ينطبع، مثل: الفيروزج، والزجاج). وقال أحمد رحمة الله عليه: (تجب في كل ما يُستخرج من الأرض). دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا زكاة في حجرٍ». ولأنه مقومٌ مستفادٌ من المعدن، فلم يتعلق به حق المعدن، كالفيروزج، والطين الأحمر مع أحمد؛ فإنه وافق في أنه لا شيء فيه. .[فرع: وجد دون النصاب] فإن وجد دون النصاب من الذهب أو الفضة.. فلا شيء عليه. وبه قال مالكٌ، وأحمدُ وإسحاق، وهذه طريقة البغداديين من أصحابنا.وقال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 149] إن قلنا: الواجب فيه ربع العشر.. اعتبر فيه النصاب. وإن قلنا: يجب فيه الخمس.. ففيه قولان: أحدهما: يعتبر النصاب فيه. والثاني: لا يعتبر. وقال أبو حنيفة: (لا يعتبر النصاب فيما يؤخذ من المعدن). دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة، وليس فيما دون عشرين دينارًا من الذهب صدقة». ولم يفرق بين أن يكون من المعدن أو غيره. .[فرع: كيفية وجود المعدن] ولا يخلو ما يوجد من المعدن: إما أن يكون مجتمعًا، أو متفرقًا، فإن كان مجتمعًا بأن وجد بدرة واحدة لا غير.. اعتبرت بنفسها، فإن كانت نصابًا.. أخرج عنها الزكاة، وإن نقصت عن النصاب.. لم يجب فيه شيءٌ، وإن كان متفرقًا.. ففيه ثلاث مسائل:إحداهن: أن يتصل العمل والنيل، فيضم النيل بعضه إلى بعضٍ في إكمال النصاب، واتصال العمل: هو أن يعمل في الوقت الذي جرت العادة بالعمل فيه، واتصال النيل: هو أن لا يحقد المعدن، وحقد المعدن: هو أن لا ينيل شيئًا، تقول العرب: حقد المعدن: إذا لم ينل، وحقدت السماء: إذا انقطع مطرها، وسمي الحقد: حقدًا؛ لأن من حقد على غيره منعه بره. المسألة الثانية: أن ينقطع العمل، ولا ينقطع النيل، ومعنى لم ينقطع النيل، أي: لو عمل، لناله، فإن كان انقطاع العمل لعذرٍ، مثل: إصلاح الآلة، أو هرب العبيد، أو مرضهم.. فإنه إذا عمل بعد زوال العذر.. ضم ما وجده بالعمل الثاني إلى ما وجده بالعمل الأول. وإن كان انقطع العمل لغير عذرٍ، بأن قطع العمل باختياره يومًا أو يومين.. لم يضم ما وجد بالعمل الثاني إلى ما وجده بالعمل الأول، بل يعتبر كل واحدٍ بنفسه؛ لأنه قطعه باختياره. المسألة الثالثة: أن يتصل العمل، وينقطع النيل اليومين والثالث، ثم يعود النيل، ففيه قولان: الأول: قال في القديم: (لا يضم ما وجده بعد انقطاع النيل إلى ما وجده قبله)؛ لأن النيل هو الأصل، فإذا لم يضم ما وجده بعد قطع العمل بغير عذرٍ إلى ما وجده قبله، فلأن لا يضم ما وجده بعد قطع النيل أولى. والثاني: قال في الجديد: (يضم): وهو الصحيح؛ لأن انقطاع النيل لا صنع له فيه، بخلاف قطع العمل، ولأن العادة أن المعدن لا ينيل على الدوام، وإنما ينيل شيئًا بعد شيءٍ، فلو قلنا: لا يضم.. لأدى ذلك إلى إسقاط الزكاة في المعدن. .[مسألة: وجد رجلان معدنًا] إذا وجد رجلان شيئًا من المعدن، فإن وجدا نصابين.. وجبت عليهما الزكاة، وإن وجدا أقل من نصابين، فإن قلنا: تثبت الخلطة في غير المواشي.. زكيا زكاة الخلطة، وإن قلنا: لا تثبت الخلطة في غير الماشية.. فلا زكاة عليهما؛ لأن كل واحدٍ منهما لم يجد نصابًا..[مسألة: زكاة المعدن] الحق الواجب في المعدن زكاة عندنا، وبه قال مالكٌ، وأحمدُ.وقال أبو حنيفة: (ليس بزكاة، ويصرف مصرف الفيء). وبه قال المزني، وأبو حفص بن الوكيل من أصحابنا. دليلنا: أنه مستفاد من الأرض، فأشبه الزرع. إذا ثبت هذا: فاختلف قول الشافعي في القدر الواجب في المعدن على ثلاثة أقوالٍ: الأول: قال في "الأم" [2/34] و " الإملاء ": (يجب فيه ربع العشر). وبه قال أحمد، وإسحاق. قال الشيخ أبو حامد: وبه يفتى، وهو الصحيح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في الرقة ربع العشر». والقول الثاني: (يجب فيه الخمس). وبه قال أبو حنيفة؛ لما رُوي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وفي الركاز الخمس، فقيل له: وما الركاز؟ فقال: الذهب والفضة اللذان خلقهما الله تعالى في الأرض يوم خلقها». والقول الثالث: إن وجد بدرة واحدة.. وجب فيها الخمس، وإن وجده بتعبٍ ومؤنة.. وجب فيه ربع العشر؛ لأنه حقٌ يتعلق بالمستفاد من الأرض، فاختلف بخفة المؤنة وثقلها، كالعشر، وهل يعتبر فيه الحول؟ فيه قولان. أحدهما: يعتبر فيه الحول، فإذا تم الحول من حين وجده.. أخرج الزكاة عنه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا زكاة في مالٍ حتى يحول عليه الحول». والثاني - وبه قال مالكٌ، وأبو حنيفة، وعامة أهل العلم، وهو الصحيح -: (أنه لا يعتبر فيه الحول، بل إذا وجد نصابًا.. أخرج عنه الزكاة في الحال)؛ لأنه مالٌ مستفادٌ من الأرض، فلم يعتبر فيه الحول، كالحبوب، لأن الحول يراد لتكامل النماء، وهذا قد تكامل نماؤه. وأما الخبر: فمحمولٌ على غير المعدن؛ لأنه لا يتكامل نماؤه إلا بالحول، بخلاف المعدن. هذا نقل الشيخ أبي حامد، وأصحابنا البغداديين، وقال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 150] إن قلنا: إن الواجب في المعدن الخمس.. لم يعتبر فيه الحول كالركاز، وإن قلنا: الواجب فيه ربع العشر.. فهل يعتبر الحول؟ فيه قولان. .[فرع: كمل المعدن نصابًا] قال ابن الحداد: إذا وجد دينارًا من المعدن، وفي يده مما سوى المعدن تسعة عشر دينارًا.. فإنه يلزمه أن يخرج في الحال ربع عشر الدينار المخرج من المعدن.قال القاضي أبو الطيب: وهذا إذا قلنا: لا يعتبر الحول في المعدن، إلا أن الشافعي نص على هذه المسألة في (الركاز)، ونقلها ابن الحداد إلى المعدن، ولا فرق بينهما؛ لأنه يعتبر فيهما النصاب ولا يعتبر فيهما الحول، وذلك: أنه إذا وجد من المعدن أقل من نصاب، وعنده نصابٌ من جنسه يجري في الحول.. فإنه يزكي ما وجده من المعدن في الحال، وإذا تم حول النصاب.. زكاه، ويكونان كـ: مالين في يده، تم حول أحدهما دون الآخر. فإن كان الذي عنده أقل من النصاب، وتم النصاب بالذي وجده من المعدن.. فإنه يزكي المأخوذ من المعدن، ويستأنف الحول على الذي بيده من حين تم النصاب، فإذا تم الحول.. زكاه. قال القاضي أبو الطيب: وهذا كرجلٍ معه عشرون دينارًا أحد عشر شهرًا، ثم بادل بتسعة عشر دينارًا منها تسعة عشر دينارًا، وبقي في ملكه دينارٌ، فإذا إذا مضى شهرٌ.. أخرج زكاة الدينار؛ لأن النصاب والحول قد وجدا فيه، ويستأنف الحول للتسعة عشر، ولا ينقطع الحول في الدينار؛ لأنه لم يخل عن نصابٍ في جميع الحول، كما قال الشافعي - فيمن معه أربعون شاة ستة أشهرٍ، ثم باع نصفها مشاعًا من رجلٍ -: (إنَّ الحول لا يبطل في النصف الذي في يده)؛ لأنه لم يخل من النصاب. قال: وقد غلط بعض أصحابنا فيها، فقال: إذا كان معه تسعة عشر دينارًا، فوجد دينارًا مع آخر الحول أو بعده.. وجب حق المعدن في الدينار، ووجب في التسعة عشر ربع العشر؛ لأن الذي في يده قد حال عليه الحول، والذي وجده في حكم ما حال عليه الحول، فكأنه كان موجودًا في جميع الحول. قال هذا القائل: فأما إذا وجد الدينارَ بعد مضي بعض الحول.. لم يجب عليه شيءٌ في التسعة عشر. قال القاضي: وهذا خطأٌ؛ لأن الحول لا ينعقد على الذهب والفضة، مع نقصانه عن النصاب. وأما قوله: إذا وجده بعد مضي بعض الحول على التسعة عشر فلا شيء منها.. فخلاف نص الشافعي في (الركاز)، فإنه قال: (لو أخرج زكاة ماله في المحرم، ثم وجد الركاز في صفرٍ، وله مالٌ تجب فيه الزكاة.. كان في الركاز الخمس وإن كان الركاز دينارًا). |